مُـقتطفات من سيرةِ الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)

مقالة لـ إيمان العرابي

هو علمُ الأعلام، وخاتمُ الأنبياء والمرسلين، محمد بنُ عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم، من قبيلة قريش، يرتفع نسبه إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. ولد في مكّة المكرمة عام الفيل الذي يوافق سنة 571م يتيماً، فقد توفي أبوه قبل ولادته، ونشأ في رعاية أمّه آمنة بنت وهب حتى صار عمره ستّ سنوات حيث توفيت أمه، فكفله جده عبد المطلب، ومات بعد سنتين، فكفله عمُّه أبو طالب. حيثُ عمل في رعي الغنم ثم في التجارة. وسافر مع قافلة قريش إلى الشام، ولمّا بلغ الخامسة والعشرين من عمره تزوج خديجة بنت خويلد ، وكانت تكبره بخمسة عشر عاماً .

كان ينفر من عبادة الأصنام، ويحبُّ الخلوة، ويقضي بعض الأوقات في غار حراء، ولما بلغ الأربعين من عمره نزل عليه الوحي في شهر رمضان بأول آيات القرآن الكريم (اقرأ باسم ربّك الذي خلق) وبدأ بالدّعوة سرّاً، فآمنت به زوجته خديجة، وابن عمه علي بن أبي طالب، وصاحبه أبو بكر الصديق، ومولاه زيد بن حارثة، وعدد قليل من السابقين إلى الإسلام، وبعد ثلاث سنوات نزل عليه الوحي بقوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، فبدأ بالدعوة العلنية، فسخر منه معظم رجال قريش، ووقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، وخاصة عمّه أبو لهب، وأبو جهل، وآذوه، فصبر على أذاهم، وحماه عمّه أبو طالب، فلمّا مات أبو طالب اشتد أذى المشركين له ولمن آمن معه، وشاء الله أن يدخل في الإسلام عمُّه حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب ـ وكان لهما بأسٌ ومكانة ـ فخفّ أذى المشركين، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته على القبائل، وقريش تتصدى له، فلم يتقبلها إلا أفراد قلائل، وكان منهم عدد قليل من أهل(يثرب) .

وفي السنة الحادية عشرة من بعثته صلّى الله عليه وسلم، أي عام 621 م بايعه 12 رجلاً من أهل (يثرب)، من الأوس والخزرج، وفي السنة التالية بايعه 73 رجلاً وامرأتان من أهلها ـ كانوا قد أسلموا على يدي مصعب بن عمير الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم للدّعوة في (يثرب) ـ ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة إليهم، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الهجرة، ثم تبعهم مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من بعثته.

ولمّا وصل إلى (يثرب) بدأت مرحلة جديدة من حياته ودعوته صلى الله عليه وسلم: مرحلة بناء المجتمع المسلم وقيادته، لذلك كان أول شيء عمله في المدينة بناء المسجد ليكون مقراً للعبادة، وبناء المجتمع وقيادته، وفيه بدأت رحلة تربية أصحابه وإعداد العدّة للجهاد، وقبل أن تنقضي السنة الأولى من الهجرة أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) السّرايا لمعاقبة قريش، وإظهار عزّة الإسلام والمسلمين، ثم توالت السّرايا والغزوات، ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين نصراً مؤزّراً في السنة الثانية للهجرة في غزوة بدر، وتوالت بعد ذلك الغزوات والسّرايا والبعوث للدعوة ومواجهة الذين يصدون عن سبيل الله أو يتآمرون على الإسلام والمسلمين، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يدير ذلك بوحي من الله وعونه، ونما المجتمع المسلم، وتوقفت مطامح قريش والمشركين في القضاء عليه بعد فشل حملتهم في غزوة الأحزاب سنة 5 للهجرة، وتخلصت المدينة من نفوذ اليهود وقبائلهم إثر غزوة بني قريظة، وبعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلم ) البعوث والرّسل إلى أطراف الجزيرة العربية .

        وفي السّنة الثّامنة للهجرة تم فتح مكة، والقضاء على الشرك في أكبر معقل للعبادة، وفي السّنة التاسعة للهجرة أقبلت الوفود من أنحاء الجزيرة العربية معلنة إسلامها، وفي السّنة العاشرة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت عليه الآية الكريمة (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً) إيذاناً بكمال رسالته، وخطب في الناس خطبة مودّع، أوصاهم فيها بما يصلح لهم دنياهم و آخرتهم، وبعد عودته أصابه المرض، فأمر أبا بكر أن يصلّي بالنّـاس ، واستأذن زوجاته أن تمرّضه عائشة رضي الله عنها، ولما وجد في نفسه شيئاً من النّشاط خرج إلى المسجد، وخطب في الناس، وأخبرهم أن عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، وأدرك أبو بكر أن الله أعلم رسوله بقرب وفاته، فبكى ، وفي الثّاني عشر من ربيع الأول في السنة الحادية عشرة للهجرة لحق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالرفيق الأعلى، ودفن حيث توفي في حجرة عائشة - رضي الله عنها.

كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) متوسط القامة أبيض، بياضه مُشرّب بشيءٍ من الحمرة، ووجهه مدوّرٌ فيه وضاءة، وعيناه دعجاوان، وشعره أسود، توفي وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء، بين كتفيه خاتم النبوة. تميز رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصائص عدة منها أن الله أحلّ له الزواج بأكثر من أربع زوجات لأغراض كثيرة، فعقد على ثلاث عشرة امرأة أوّلهن السيدة خديجة بنت خويلد، وكانت تكبره بخمسة عشر عاماً، وآخرهن ميمونة بنت الحارث، تزوجها سنة سبع للهجرة، كلّهن سيّدات سبق لهن الزّواج إلا عائشة بنت أبي بكر الصديق، وقد توفيت اثنتان منهن في حياته وهما: خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة، والبقية توفين بعده، وعقد على اثنتين ولم يدخل بهما، وتسرّى باثنتين؛ هما: (مارية القبطية) و (ريحانة القرظية) وله من البنات أربع، وهنّ: زينب، ورقيّة، وأم كلثوم، وفاطمة،  توفين جميعاً في حياته إلا فاطمة التي توفيت بعد وفاته بستة أشهر. وله من الأولاد : قاسم، و عبدالله من السيدة خديجة، و إبراهيم من مارية القبطية، توفُّوا جميعاً وهم صغار.

قال تعالى " لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنة "
وسئلت السيدة عائشة أمّ المؤمنين - رضي اللّه عنها - عن خلق الرّسول ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) فقالت :         "كان خلُقه القرآن" .
كان رسول ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) القدوة في شمائله ومواقفه الإنسانيّة والسّياسيّة التي ما زلنا نغترف منها على مختلف الأصعدة .
فقد كان صاحب المواقف السّياسيّة الرّائدة
- حيثّ أرسى دعائم قيام الدّولة النّاجحة من خلال اعتماده مبدأ الشّورى في إدارة شؤون المسلمين منطلقًا من قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم " .
- ثابتاً على نشر الحقّ وقد تمثّل ذلك في :
* صبره على أذى قريش له في بداية نشر الدّعوة مؤكّدًا أنّه يرتضي الهلاك لنفسه ولمن آمن معه في سبيل نشر الدّعوة الأسلاميّة .
* وصبره ومن معه على المقاطعة التي فرضتها قريش لمدة ثلاث سنين .
* صبره على أذى أهل الطّائف له حين ذهابه لأهلها داعيًا إيّاهم إلى الإسلام فرموه بالحجارة فأدموا عَقْبيْه وسبّوه وسخروا منه ، فاتّجه إلى ربّه دامع العين قائلاً " اللّهمّ إليك أشكو ضعف قُوّتي وقلّة حيلتي ، وهواني على النّاس ، يا أرحم الرّاحمين ، أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي ، إلى من تكلني ؟!! إلى بعيدٍ يتجهمني ،  أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري . إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي ، أعوذُ بنور وجهك الذي أشرقت له الظّلمات وصلُح عليه أمر الدُّنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتّى ترضى ، ولا حول ولا قوّة إلا بك ".
* صبره على الهجرة عن وطنه مكّة لعلمه بنيّة قريش قتله لحرمانه من نشر الحقّ .
* تخطيطه بتأنٍ لمحاربة أعدائه فتوالت الغزوات في عهده ابتداءً من غزوة بدر الكبرى – غزوة أحد -  الخندق – فتح مكّة – خيبر – مؤتة – حنين - .
* مشاركته ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) في هذه الغزوات وإشرافه عليها .
* عمد إلى سياسة التّحالفات والمعاهدات مع الأعداء لدرء خطرهم .

 أمّا مواقفه الإنسانيّة
ففي المجال الاجتماعيّ فقد كان الأنموذج الأمثل حيث استطاع بخلقه العظيم وصبره وتسامحه وعدله أن ينشر رسالة التّوحيد .
من صفاته أنّه كان إذا مشى أسرع، وإذا التفت التفت بجسمه كله، وكان يتميز بفصاحة اللسان، وبلاغة الكلام، صبوراً، حليماً، شجاعاً ، شديد الحياء، لم يكن فحّاشًا ولا سبّابًا ولا لعّانًا ، شديد الكراهية للكذب ،  جواداً ما سئل إلا أعطى. شديد التواضع، يخصف نعليه، ويخيط ثوبه، ويعين أهله في شؤون البيت، ويجالس الفقراء المساكين، لم يقل لخادمه أفٍّ قطُّ ، ولم يعاتبه على شيء فعله أو تركه ، ما خيّر في أمرين إلا أخذ أيسرهما ، تجمعت الفضائل والقيم العليا فيه فوصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وإنّك لعلى خلق عظيم) . وكان من أعظم صفات الرسول( صلّى اللّه عليه وسلّم ) الإنسانيّة صفة الوفاء الذي صار عزيزًا في أيّامنا ، وقد تمثّل في وفائه لزوجته خديجة بنت خويلد رضي اللّه عنها ، حيث حفظ ذكراها الطّيبة ، وأكرم صويحباتها ، ولم يتزوّج عليها في حياتها . وفي وفائه لمرضعته حليمة السّعديّة .   

إنّ سيرة الرسول( صلّى اللّه عليه وسلّم ) العطرة أسوةٌ مثلى للمسلمين في شؤون الحياة جميعها فهي شاملة لنواحي الحياة حي تحكي لنا سيرة "محمّّّّّّّد " الشاب الأمين  المستقيم قبل أن يكرمه اللّه بالرّسالة وبعد أن أُكرم بالرّسالة وأصبح داعيًا لها بالحكمة والموعظة الحسنة المتلمّس أجدى السائل لقبول دعوته ، الباذل منتهى طاقته وجهده في إبلاغ رسالته للناس ، وتحكي سيرة رئيس دولة يساوي بين رعيّته بحذق وحكمة بالغة ، ويحميها بيقظته وإخلاصه وصدقه بما يكفل لهذا النّجاح . فقد كان ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) زوجًا وأبًا في حسن المعاملة وحنو العاطفة ، وكان يشرف على تربية أصحابه رضي اللّه عنهم تربية مثاليّة ينقل فيها من روحه إلى أرواحهم ومن نفسه إلى نفوسهم ما يجعلهم يقتدون به في دقيق الأمور وكبيرها حيثّ أحبه أصحابه وافتدوه بأنفسهم . كيف لا وهو المحارب الشجاع والقائد المتبصّر والسّياسيّ النّاجح والمعاهد الصّادق فهوالذي كرّمه اللّه تعالى حين قرن محبّته بمحبّة الرسول        ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) ، وطاعته مقرونة باتّباع سنة رسوله ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) والاقتداء بها وقرن اسمه عزّ وجلّ باسم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلّم )  في الشّهادتين ، وسخّر تعالى الملائكة والمؤمنين للصّلاة على النّبي، وأيّده بالكتاب المحفوظ  ، وخصّه بأن يكون شفيعًا لأمّته فبسلوكه استطاع أن يصوغ الشّخصيّة الإسلاميّة في شتّى جوانبها العقديّة والعقليّة والعاطفيّة والأخلاقيّة . ففي شمائله( صلّى اللّه عليه وسلّم )  قدوةٌ للجميع في الأقوال والأعمال ( لقد كان لكم في رسول اللّه أـسوةٌ حسنة ....) .

لقد أكّد سبحانه وتعالى عل أنّ محبّة الرّسول لا تكون بالشّعارات والاحتفالات إنّما بالاقتداء بسلوكيّاته التي تصلح لأن تكون دستوراً صالحًا لكلّ زمانٍ ومكان في العبادات والمعاملات فحقيقة الطّاعة أن تكون ظاهرة وباطنة وبكلّ ما جاء به ( صلّى اللّه عليه وسلّم ) حيثّ قال عزّ من قائل " قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفورٌ رحيم ، قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول  فإن تولّوا فإنّ اللّه لا يحبُّ الكافرين" .(آل عمران 31-32) .
" وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .




المراجع : 
( حياة محمّد - صلّى اللّه عليه وسلّم - )   لمحمد علي قطب .
كتاب السيرة النّبويّة ( مولد الرّسول ) عبد الحميد جودة السحار.
كتاب( السيرة النّبويّة ) لابن هشام .
الجزء الأول من ( السيرة الحلبية ) .
كتاب ( أمّ النّبيّ )  للدكتورة بنت الشاطئ .
 كتاب ( الجفر الكبير ) للشيخ الإمام شمس الدين بن سالم .
كتاب )  الإرشاد ) للبيروني .
كتاب ( مختصر التاريخ(   لابن العميد .
كتاب  ) مروج الذهب  (للمسعودي .
كتاب  ( مختصر التاريخ )  لابن العميد في .
كتاب (  التقاويم )  - لمؤلفه محمد محمد فياض - نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع>
كتاب ( التّبصرة ) لأبي الفرج الأصفهاني .
مسند أحمد بن حنبل .
القرآن الكريم .